أمبروسيوس أسقف ميلانو
1. حياته
من أهم معلّمي الكنيسة وآبائها في الغرب. وُلِدَ أمبروسيوس من عائلة رومانية مسيحية. درسَ البلاغة وعمل في حقل السياسة. بقي موعوظاً حتى حادثة تدخلّه لتهدئة الوضع القائم بين المسيحيين والآريوسيين آنذاك بسبب خلافهم في موضوع الأسقف الآريوسي أسينطيوس. بعد هذا نادى بهِ الشعب أسقفاً فنال المعمودية في 7 كانون الأول (ديسمبر) 374 م وبعدها بأسبوع سيمَ أسقفاً.
انكب أمبروسيوس على دراسة الكتب المقدسة والآباء اليونان وخاصة أوريجانوس وباسيليوس، بالإضافة إلى الفيلسوف اليهودي فيلون الإسكندري. ساهم بشكل فعّال في اهتداء القديس أغسطينوس حيث منحه سر المعمودية عام 386 م.
في سنوات خدمتهِ كانت البدعة الآريوسية شغله الشاغل. كان مؤمناً بأن الكنيسة الكاثوليكية هي الوحيدة التي لها حق الوجود الشرعي: لهذا تدخّل ليمنع الرومان غير المسيحيين من أن يضعوا تمثال النصر في صالة الشيوخ (384). كما أنكر على الآريوسيين حقهم في بناءِ كنيسة لهم في ميلانو (386). في الحقل الرعوي شجّع كثيراً تكريم الشهداء والحياة الرهبانية للذكور والإناث. توفي عام 397 م.
يُحتَفَل بذكراه في التقويم الغربي يوم 7 كانون الأول (ديسمبر)
2. أفكاره
كانت أفكار أمبروسيوس اللاهوتية تستند إلى قاعدتين هما الكتاب المقدس ومجمع نيقيا. كان بارعاً في جمع اللاهوت الشرقي (أوريجانوس، أثناسيوس، باسيليوس) مع الغربي (ترتليانوس وهيلاريوس). في التعليم حول الثالوث كان يدافع عن وحدة الذات الإلهية والتمييز بين الأقانيم الثلاثة: "الآب هو مصدر وأصل الابن؛ الابن هو مصدر الروح القدس". في المسألة الكريستولوجية كان أمبروسيوس يجادل بشدّة الظاهريين والأبوليناريّين، وكان يعبّر عن اتّزان كامل في تعليمهِ فيميِّز في المسيح طبيعتان وإرادتانِ، دون أن يمسّ بوحدة شخصهِ الإلهي، تماماً كما علّمت المجامع المسكونية اللاحقة. لقد كانَ تعليمهُ واضحاً أيضاً بشأن العذراء مريم فكان يدعوها "أم الله"، وكان يعترف بدورها الخاص في تدبير الخلاص وببتوليتها بعد الولادة. لكن فيما يخص الحبل بها بلا دنس الخطيئة الأصلية فلا يذكر أي شيء.
في شرحه للكتاب المقدس كان يهتمّ بإبراز قيمة العهد القديم، فقد كانت معظم أعماله تهتم بشرحه. كان ينطلق من النقطة القائلة بتوافق العهدين القديم والجديد فيما يخص المسيح. وكان في شرحهِ يميل إلى استخدام الطريقة الرمزية التمثيلية وذلك لسبب تأثره بأوريجانوس وأفلاطون.
إضافة إلى هذا كان أمبروسيوس مهتماً بالناحية الأخلاقية من الحياة المسيحية، فكان يؤكد على أن الإنجيل يتطلّب من المؤمن الإهتمام بالواقع الإجتماعي لمساعدة الفقراء وإغاثة المظلومين والدفاع عنهم ضدّ أنانية الأغنياء والعظماء. في هذا أظهر أمبروسيوس أن تعليمه مازال واقعياً وعملياً في أيامنا هذه.
3. مؤلفاته
إن معظم أعمال أمبروسيوس جاءت ثمرة إهتمامه بالعمل الرعوي والوعظ. فقد كان رجلاً عملياً وواقعياً بعيداً عن المماحكات العقائدية.
كتب تفسيرات كتابية تتعلق كلها بالعهد القديم، عدا كتاباً واحداً وهو "شرح إنجيل لوقا". أمّا فيما يتعلق بالعقيدة فقد كتب أمبروسيوس حول الثالوث والكريستولوجيا. له أعمال هامة جداً في تاريخ الليترجيا والأسرار. له أيضاً أعمال أخلاقية وتقشّفيّة تتحدث بشكل خاص عن منافع البتولية في سبيل ملكوت الله.
أنطونيوس الكبير
أول راهب معروف في تاريخ المسيحية. أنطونيوس هو ابن عائلة غنية مالكة لعدة أراضٍ، بعد أن تيَتَّم، وزَّع كل ما له على الفقراء واعتزل الحياة العامة ليعيش متزهداً.
جمع حوله تلاميذ عديدين، تحولوا فيما بعد إلى مجموعات رهبانية، حيث كان يُترَك لكل راهب مجالاً من الحرية في تنظيم حياته الروحية تحت إشراف أحد الشيوخ.
أوريجانوس
. حياته
ولد حوالي عام 185م من عائلة مسيحية صالحة، وقد أظهَرَ منذُ حداثته اهتماماً بالغاً بالدين.
مات أبوه شهيداً عام 202/203م تحت اضطهاد الامبراطور سيبتّيموس سيفيروس. كان مازال شاباً عندما سَلَّم إليهِ أسقف الإسكندرية آنذاك ديميتريوس مدرسة الموعوظين، بسبب الحاجة إلى معلمين بعدَ عواقب الاضطهاد. كانت هذه فرصةً رائعة لأوريجانوس للبدء بدراسة الكتب المقدسة والفلسفة.
إبان إقامتهِ في الإسكندرية أرسلَ حاكم بلاد العرب في طلبهِ ليلقّنهُ أصول الديانة المسيحية، فلبّى النداء وأتمَ مهمَّته وفي طريق عودتهِ عام 230م عرج إلى فلسطين وبينما كان في مدينة القيصرية نال الدرجة الكهنوتية من ثيوكتيستوس أسقف تلك المدينة، كان هذا سبباً لمشكلة كبيرة وصلت أصداؤها حتى روما، بسبب قبوله الدرجة الكهنوتية دون إذنٍ مُسبَق من أسقفهِ ديميتريوس، الذي عقد سينودسيَن ومنعهُ على إثرهما من التعليم ومن الإقامة في الإسكندرية، وقد ثبَّت البابا بونتيانوس هذا التدبير، ذلك أن أوريجانوس كان قد ارتكب خطأً فادحاً في خَصْي ذاتهِ، مُفَسراً بشكل حرفي ما ورد في مت 19/12. لكن من المحتمل أن هناك أسباباً أبعد من ذلك، تتعلَّقُ بصحة تعليمهِ.
بسبب هذه الأحداث انتقل أوريجانوس ليعيش في القيصرية تحت ظل الأسقف ثيوكتيستوس، حيث باشر بتأسيس مدرسة لاهوتية على شاكلة تلك التي كان عمل بها في الإسكندرية، بمساعدة صديقهِ أمبروسيوس الذي كان غنوصياً قد اهتدى إلى الإيمان. وأمضى أوريجانوس الباقي من حياتهِ هناك حيث علَّم ووعظ.
خلال اضطهاد الامبراطور داسيوس (249 ـ 251م) سُجِنَ وعُذِّبَ بسبب الإيمان، ثم خرج حياً لكن لم يدم طويلاً فتُوفي عام 253م.
2. كتاباته:
لم تشهَد المسيحية في تاريخها رجلاً غزير الإنتاج نظير أوريجانوس. فقد طرق كل المجالات الفكرية من شرح للكتاب المقدس وتفسير العقائد ودحض البدع. فأبيفانوس أسقف سلمين ينسب إليهِ ستة آلاف مجلّد وأوسابيوس ألفين. بيد أن هذه الأرقام الخيالية تبقى موضوع تساؤل.
من أهم كتبهِ في شرح الكتاب المقدس "السداسي" و"السخولية" و"الفيلوكالية". أما في مجال الدفاع عن الإيمان فلدينا "الرد على كِلس". في الحقل العقائدي تفرَّد أوريجانوس في مؤلفاتهِ وكان أول لاهوتي أقحم الفكر المسيحي في قالبٍ منهجي منظَّم فترك لنا "الحوار مع هراقليذس" و"حول القيامة" و"كتاب البسط".
وهنالك كتابات أخرى لأوريجانوس مثل: "رسالة في التحريض على الإستشهاد" يدعو فيها كل مسيحي إلى التمسُّك بإيمانهِ حتى ولو أدى ذلك للإستشهاد، و"رسالة إلى تلميذه غريغوريوس العجائبي" يحثه فيها على الأخذ من الفلسفة اليونانية بما هو مفيد للمسيحية، مع التشديد على أولية الأسفار المقدسة كمرجع أول لك مسيحي، و"وسالة إلى يوليوس الأفريقي" وهي دراسة عن قانونية بعض الفصول اليونانية من سفر دانيال النبي. 3. تعاليمه:
تأثر أوريجانوس بالفلسفة الأفلاطونية فاستعارَ تحديد أفلاطون للكائن البشري المركَّب من ثلاثة عناصر، الجسد والنفس والروح، وطبَّقه على تفسير الكتاب المقدس بقولهِ أن للكتاب ثلاثة مفاهيم: المفهوم الحرفي والمفهوم الأخلاقي والمفهوم الروحي. وقد كان أوريجانوس أول من ابتكر علم التأويل والإستعارة محمّلاً النصوص الكتابية أبعاداً ورموزاً جديدة لا مثيل لها.
بالنسبة للعقيدة الثالوثية فقد شدَّد على المساواة بين الآب والابن لكنه كان يعتبر الروح القدس أدنى مرتبة من الابن. لا شك أن هذا يخالف العقيدة المسيحية كما أعلنت في المجامع المسكونية، لكن لا يغب عن بالنا بأن العقيدة المسيحية كانت في تلك الآونة تتلمَّس طريقها لتجد صيغة تسبك فيها الأسرار المسيحية على أساس سليم.
في مجال علم المسيح (الكريستولوجيا) فقد ابتكر أوريجانوس مصطلحات ما نزال نستعملها في أيامنا هذه مثل "طبيعة" و"جوهر" و"مساوٍ في الجوهر" و"إله ـ إنسان". وقد لعبت هذه العبارات في النقاشات اللاهوتية دوراً مهمّاً خلال القرنين الرابع والخامس الميلادي.
من التعاليم الجديدة التي أنشأها أوريجانوس هي فكرة "الإصلاح النهائي الشامل". فهو يقول بأن الشرَّ بما أنه عنصر من عناصر العالم فهو زائل لا محالة، ولذلك فإن العالم مدعو برمتهِ إلى الخلاص الشامل. هذه النظرية مرتبطة بنظرية الوجود السابق للنفس، ككائن روحي، حكم عليها أن تعيش في الجسد كعقاب لها على خطيئة ارتكبتها. فالإصلاح النهائي هو إذاً إعادة الصورة القديمة للنفس إلى أصلها بمعونة المسيح مخلص العالم. لم تقبل الكنيسة هذا التعليم وشجبته في المجمع المسكوني الخامس (القسطنيطينة الثاني) وحكمت على أتباعهِ.
أوسابيوس القيصري
. حياته
مفسِّر ومؤرِّخ كبير للعصور المسيحية الأولى. وُلِدَ أوسابيوس في فلسطين ودرس في مدينة القيصرية على يد بانفيلوس وقد استخدم المكتبة الكبرى التي تركها أوريجانوس. كان لإضطهاد الإمبراطور ديوقلاطيانوس (303 ـ 310) أثراً كبيراً في حياتهِ، فقد سُجِنَ على اثره فترة في مصر كما أنَّ معلّمه قد توفيَ بسبب هذا الإضطهاد.
في عام 313 م أقيمَ أسقفاً على مدينة القيصرية وقد أُنعِمَ عليهِ برؤية الحقبة القسطنطينية حين نالت الكنيسة حرية التعبير عن إيمانها. في عام 325 م شارك في مجمع نيقيا الأول حيث ألقى الكلمة الإفتتاحية وفيها عبَّر عن قبولهِ لقانون إيمان القديس أثناسيوس، إلا أنهُ أظهرَ ميولاً آريوسية في سينودوسي أنطاكية وصور. كان قريباً بشكل دائم من البلاط الملكي. توفي عام 339 م.
2. أفكاره
لقد كان أوسابيوس رجلاً ذا ثقافةٍ واسعة، هذا واضح من خلال أعماله الدفاعية والتاريخية. وبالرغم من محدوديّة هذه الأعمال إلا أن بدونها يصعب علينا جداً معرفة الثقافة القديمة وتاريخ الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى.
بالنسبة للعقيدة الثالوثية تأثر أوسابيوس بشكل كبير بأوريجانوس، إلا أن فكره يميل أكثر إلى البساطة. هو يعتقد بأن الآب هو وحده الله العليّ والأزليّ، بينما الابن ـ الكلمة هو "إلهٌ ثانوي" تابع للآب وأما الروح القدس فهو نعمة مخلوقة. وبالرغم من رفضه لبدعة آريوس التي تنكر ألوهية الابن إلا أنه يرى في تعبير "مساوٍ للآب في الجوهر" الذي صاغه مجمع نيقيا خطر الصابلية الشكليّة.
في الكريستولوجية يرى أوسابيوس في الكلمة المتجسِّد "معلّم الحقيقة"، لكنهُ يتحفَّظ كثيراً في موضوع كمال طبيعته البشرية.
3. مؤلفاته
كتب أوسابيوس العديد من الأعمال التاريخية نذكر منها
ـ التقويم: عبارة عن تاريخ العالم وقد نُشِرَ عام 303 م.
ـ القوانين الإنجيلية: وهو نظام مَراجع للأناجيل، فقد حسَّنَ أوسابيوس من خلال هذا العمل ما كان قد قام بهِ اللاهوتي الإسكندري أَمّون في القرن الثالث.
ـ التاريخ الكنسي: سرد فيهِ تاريخ الكنيسة من بدايتها وحتى عام 324 م.
إيريناوس أسقف ليون
يُذكر في التقويم الروماني في 28 حزيران
1. لمحة عن حياته
إيريناوس هو قديس وأحد آباء الكنيسة، وواحد من أهم لاهوتيي القرن الثاني الميلادي، ولد على الأرجح بين عام 140 و160 م في مدينة إزمير. تلميذُ للقديس بوليكاربس. ترك آسيا الصغرى لأسباب مجهولة وذهب إلى غالية. كان كاهناً في مدينة ليون على أيام الإمبراطور مرقس أوريليوس. أُرسل إلى روما ليحصل على إيضاحات بشأن مشكلة المونتانية وبعد عودته منها بين عام 177 و 178 م أقيم أسقفاً على ليون خلفاً لأسقفها الشهيد فوتينوس. عندما حرم البابا فيكتور الأول أساقفة آسية الصغرى بسبب الخلافات الفصحية، قام إيريناوس بحثّهم على المصالحة. يقول عنه أوسابيوس بأنه عاش فعلاً ما يعنيه اسمه أي "صانع السلام" (تاريخ الكنيسة 5 / 24 / 17). في صراعه ضد الغنوصية، نجح إيريناوس في هدايةِ الكثير من أهل المنطقة إلى المسيحية. عن باقي حياته لا نعرف شيئاً أكيداً. بالنسبة لوفاته يخبرنا كل من جيروم وغريغوريوس دي تور بأنه استُشهد خلال عهد الامبراطور لوسيوس سيبتيموس سيفيروس نحو عام 202 م، لكن هناك بعض الشك في صحة هذا الخبر.
2. كتاباته
لم يبقَ لدينا من كتاباته العديدة بلغته الأم (اليونانية) سوى مؤلَّفين. أحدهما يُعتبر الأهم وعنوانه المتداول "ضد الهرطقات"(Adversus haereses)، كتبه تفنيداً للغنوصية يفضح به هذه البدعة. ومما ساعده على ذلك فضلاً عن حماسه الديني هو معرفته الواسعة للتقليد المقدس الذي استلمه من بوليكاربوس ومن باقي تلامذة الرسل. ومع أنه تصعب قراءة المؤلَّف بسبب أسلوبه المعقّد أحياناً والمليء بالإعادات إلا أن إيريناوس نجح في تقديم صورة واضحة عن عقيدة الكنيسة ولاهوتها القديم.
حتى عام 1904 لم نكن نعرف من المؤلَّف الثاني سوى عنوانه: "برهان تعليم الرسل" (تاريخ الكنيسة لأوسابيوس 5 / 26)، لكن في ذلك العام اكتُشفَت ترجمة أرمنية لهذا الكتاب ونُشرت عام 1907. يتكلم الكتاب عن الحقائق الأساسية في المسيحية: الأقانيم الثلاثة، الخليقة، خطيئة الإنسان، تجسّد الله والفداء. يبرهن الكاتب عن صحة هذه العقائد بإستشهاده من كتب العهد القديم.
3. لاهوته
هناك سببان جعلا من إيريناوس أحد أهم لاهوتيي القرن الثاني: الأول هو كشفه لزيف بدعة الغنوصية والثاني هو أنه أول مَن عبَّر عن التعليم المسيحي بطريقة عقائدية:
أ. يؤكد إيريناوس بأن الله الواحد هو نفسه خالق العالم وأبو الكلمة (اللوغوس). هو لا يشرح العلاقة بين الأقانيم الإلهية، إلا أنه مقتنع تماماً بأن تاريخ الخلاص يُثبتُ وجودهم منذ الأزل. إن كلمات سفر التكوين: "لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا" (تك 1 / 26) لموجّهة من الله الآب إلى الإبن والروح القدس اللذين يشبههما إيريناوس بيدي الله الآب، التي صنع بهما العالم.
ب. يصف إيريناوس ولادة الإبن من الآب بالأمر الذي لا يُدرك ولا يُوصَف ويقول: "أظهر الله نفسه بواسطة الإبن الذي هو في الآب والذي فيه الآب" (3 / 6 / 2).
ج. تحتل فكرة "الجمع تحت رأس واحد" (avnakefalai,wsij) المركز المحوري في مسيحانية إيريناوس وبالتالي في كل فكره اللاهوتي. اتّخذ هذه الفكرة من القديس بولس (أف 1 / 10) وطوّرها: فمن خلال عمل الله الذي يجمع كل خليقته تحت رأس واحد هو المسيح، تتجدّد الخليقة وتمحى آثار عصيان آدم الأول لأن آدم الثاني (المسيح) قد صارع الشرير وغلبه فجدَّد كل شيء.
د. لقد أثرت الفكرة السابقة في نظرة إيريناوس لمريم العذراء. ومع أن يوستينوس كان أول من قارن بين حواء ومريم إلا أن إيريناوس تعمّق أكثر في هذه المقارنة: كما أن الخليقة سقطت بعصيان إمرأة (حواء) هكذا تنجو بطاعة إمرأة (مريم) لأنها ولدت آدم الجديد، لذا تستحق أن تُدعى "محامية حواء"، وهي بالحقيقة أم الخليقة الجديدة.
هـ. نجد أيضاً مفهوم الكنيسة (إكلسيولوجيا) متأثراً بفكرة "الجمع تحت رأس واحد": فالله قد أراد أن يحقق ويكمل في الكنيسة عمله الإلهي بأن يجمع الكل تحت رأس واحد هو المسيح.
من جهة أخرى يعتبر إيريناوس أن مصدر الإيمان الحق هو تعليم الرسل الثابت. وهو يعرض الإيمان المسيحي متّبعاً قانون إيمان الرسل بحذافيره. لهذا فإن الكنائس المؤسَّسة من قِبَل الرسل هي وحدها القادرة على حفظ الإيمان القويم، فخلافة الأساقفة غير المنقطعة تضمن لها عدم الحياد عن التعليم الصحيح. هذا تماماً ما يفتقده الهراطقة.
و. في حديثه عن الإفخارستيا يؤكد إيريناوس حضور جسد ودم المسيح فيها، ومنها يستنتج قيامة الجسد: "بما أن الكأس الممزوج بالماء والخبز المصنوع ينالا إفخارستيا دم وجسد المسيح، فيمنحا جسدنا غذاءً ودعماً، فكيف يقول البعض أنه لا يمكن للجسد أن يقتبل عطية الله أي الحياة الأبدية؟!".
ز. يحتوي قانون العهد الجديد حسب إيريناوس على: الأناجيل الأربعة، رسائل بولس، أعمال الرسل، رسائل ورؤيا يوحنا، رسالة بطرس الأولى وكتاب راعي هرماس. يعتبر هذه الكتب ملهمة على مثال كتب العهد القديم وللكنيسة الكلمة الحاسمة في تفسيرها ذلك أنها "أشجار مزروعة في حديقة الكنيسة".
ح. في ما يتعلق بالإنسان يعلِّم إيريناوس بأنه مؤلَّف من جسد ونفس وروح. فالروح (وهنا من الصعب تحديد طبيعته: أي إن كان المقصود به روح الله أم روح الإنسان!) هو الذي يجعل الإنسان كاملاً. إلا أنه في تفنيده فكرة الغنوصيين القائلة بأن النفس خالدة بطبيعتها وبمعزلٍ عن سيرتها الأخلاقية ذهب إيريناوس إلى حد القول بأن النفس ليست خالدة بطبيعتها بل بسبب سيرتها الأخلاقية الصالحة!.
ط. إن لؤلؤة إيريناوس الحقيقية في لاهوته حول الخلاص (سوتِريولوجيا) هو تأكيده بأن كل إنسان بحاجة للفداء وقابل له. فبعد خطيئة أبوينا الأولين فَقَدَ الإنسان صورة الله فيه، لكن خلاص المسيح جدَّدَ فيه هذه الصورة.
في حديثه عن الخلاص يتحاشى إيريناوس استعمال تعبير "تأليه" %qeopoi,hsij$ ويستعمل بدلاً منه تعبير "المشاركة في مجد الله"، فقد كان حريصاً على عدم إلغاء الحدود بين الله والإنسان كما كانت تفعل بعض الديانات الوثنية والغنوصية
[url=http://www.up1up2.com/up4/index.php?do=6562]
[/url