فرحاً مع الفرحين
هذه الفقرة الجميلة من كتاب "الفرح المقدس" الصادر حديثاً للأب أنتوني كونياريس":
"أقدم لك القصة التالية كمثال على حقيقة أن فرحنا المسيحي لا يعتمد على الظروف الخارجية لكن بالأحرى يعتمد على علاقتنا بالمسيح، وهي قصة لكاهن أرثوذكسي عمره 70 عاماً من كنيسة رومانيا الأرثوذكسية.
هذا الكاهن أُلقي في السجن من قِبل الشيوعيين في العصر السوفيتي. ومات إبنه في سجن سوفيتي، أما ابنته فحُكم عليها بالسجن عشرين سنة. وكان معه في السجن إثنان من أصهاره (أزواج بناته)، واحد منهم كان معه في نفس الزنزانة. أحفاده لم يكن عندهم طعام وأُجبروا على أكل القمامة.
وبالرغم من كل هذا، كان لهذا الرجل وجه مُشرق، وكانت هناك دائماً إبتسامة جميلة على شفتيه. لم يكن يحيي أي أحد قائلاً "صباح الخير" أو "مساء الخير"، لكنه كان دائماً يحييهم قائلاً: "افرحوا كل حين".
يوم من الأيام سأله أحد الناس: "يا أبونا، كيف تقول دائماً كلمة "افرحوا"، أنت الذي واجهت كل هذه المآسي الفظيعة؟ فأجاب:
"الفرح هو شيء سهل جداً. وذلك ممكن إن تمَّمنا وصية واحدة على الأقل من الإنجيل، إذ أنه مكتوب: افرحوا مع الفرحين". والآن إذا فرحت مع كل إنسان يفرح، سيكون عندك دائماً الحافز لكي تفرح بوفرة.
أنا أجلس في السجن وأفرح لأن هناك الكثيرين أحراراً.
لا أستطيع ان أذهب إلى الكنيسة، لكنني أفرح بكل أولئك الذين يمكنهم الذهاب إلى الكنيسة.
لا أستطيع أن أتناول من جسد الرب ودمه لكنني أفرح لكل أولئك الذين يستطيعون ذلك.
لا أستطيع قراءة الإنجيل أو أي كتاب روحي آخر، لكنني أفرح لأولئك الذين يمكنهم ذلك.
لا أستطيع رؤية الزهور، فطوال هذه السنوات نحن لم نرَ قط أي شجرة أو زهرة، فقد كنا تحت الأرض في سجن سري تحت سطح الأرض، لم نرَ قط الشمس أو القمر أو النجوم طوال هذه السنوات، بل في أوقات عديدة نسينا أن هذه الأشياء موجودة، لم نرَ قط أي لون، فقط حيطان الزنزانة الرمادية اللون، وملابسنا الموحدة الرمادية، لكننا نعرف أن مثل هذا العالم الجميل يوجد، عالم الفراشات المتعددة الألوان، عالم أقواس قزح. لذلك أنا أستطيع أن أفرح لأولئك الذين يمكنهم رؤية قوس قزح ورؤية الفراشات المتعددة الألوان. في السجن كانت الرائحة كريهة إلى أقصى حد، لكن يوجد آخرين ينتشر حولهم عطر الأزهار، وهناك بنات يضعون العطور، وآخرون عندهم صور مبهجة، ويوجد آخرين عندهم عائلاتهم وأطفالهم حولهم، لا أستطيع رؤية أطفالي لكن أناس آخرين يمكنهم ذلك. فالذي يستطيع أن يفرح مع كل أولئك الذين يفرحون، يمكنه الفرح على الدوام. لذلك يمكنني أن أكون مسرور دائماً"
نجد مثل هذا الفرح الرسولي أمام الإضطهاد عند الرسل في سفر الأعمال (5: 41): " .. ودعوا الرسل وجلدوهم واوصوهم أن لا يتكلموا باسم يسوع ثم أطلقوهم. وأما هم فذهبوا فرحين من أمام المجمع لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه".
هذا الكاهن الروماني هو مثال حي على شركة المؤمنين في الكنيسة بعضهم لبعض، إذ نتعلم ليس فقط أن نحمل أثقال بعض بل أيضاً أن نفرح مع الفرحين، لا أن نحسد الآخرين على أفراحهم بل أن نزيد فرحنا بواسطة الفرح مع الفرحين."